الأضرار التي تلحق بالمدنيين وسبل الوصول للعدالة

في الفترة بين عامي 1988 و2014، دفعت إسرائيل ما يقرب من 94 مليون دولار أمريكي في صورة تعويضات عن الخسائر والأضرار التي ألحقتها قوات الأمن الخاصة بها بالسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. ولكن، منذ العام 2004، وبصفة متزايدة من وقتها، قد تم تقييد الحق في الانتصاف تقييدًا شديدًا عبر عدد من العوامل التي تتضمن: توسيع نطاق تعريف "استثناء الأنشطة القتالية" في قانون المسؤولية التقصيرية، وتعيين غزة بوصفها أراضي معادية وتعيين سكانها بوصفهم مواطني دولة عدو، والتأثير المشترك للعوائق الإجرائية ورسوم المحاكم وضماناتها الباهظة ومنع إصدار تصاريح الدخول مما يحد من الوصول إلى المحاكم. ونتيجة لهذا، بينما المواطنون الإسرائيليون اليهود ممن يسكنون الأراضي الفلسطينية المحتلة قادرون على رفع دعاوى قضائية بنجاح للمطالبة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم جراء العمليات التي تقوم بها قوات الأمن الإسرائيلية، فإن نفس الحق في التعويضات للسكان من غير اليهود يكاد يكون متوفرًا من الناحية النظرية فقط.

أولًا، اتسع نطاق حصانة إسرائيل من المسؤولية التقصيرية. وعلى غرار الممارسات المعمول بها في بعض الولايات القضائية الأخرى، يمنح القانون الإسرائيلي إسرائيل حصانة من الدعاوى القضائية الناتجة عن الأنشطة القتالية التي تقوم بها قواتها المسلحة. وأدخلت إسرائيل تعديلات على تعريف هذا الاستثناء للدولة من المسؤولية التقصيرية فيما يتعلق بالأنشطة القتالية ليشمل ليس فقط الأنشطة القتالية بمعناها الضيق، ولكن ليشمل أيضًا أنشطة الشرطة والأنشطة الأخرى التي تقوم بها الإدارة المدنية والتي يمكن أن تدعم الأهداف المرجوة من القتال أو الأهداف الأمنية. وآثار توسيع نطاق سريان استثناء الأنشطة القتالية واضحة. حتى الانتفاضة الثانية في أواخر عام 2000، قررت المحاكم أن إسرائيل محصنة من المسؤولية في 30 بالمئة فقط من الدعاوى القضائية التي تم رفعها ضدها للمطالبة بتعويضات بموجب المسؤولية التقصيرية عن الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بالمدنيين في المناطق المحتلة. ازداد هذا الرقم بصورة كبيرة عقب الانتفاضة الثانية بحيث أنه منذ آخر تعديل قضائي في عام 2012 تم الحكم بأن إسرائيل محصنة من المسؤولية في 87 بالمئة من الدعاوى القضائية.

ثانيًا، في السنوات الأخيرة أصبح المدعون مطالبين بالتغلب على مجموعة متنوعة من المعوقات كي يتمكنوا من إقامة دعوى قضائية للمطالبة بتعويضات. على المدعين أن يقدموا إشعار بنيتهم إقامة دعوى قضائية خلال 60 يوم من تاريخ وقوع الضرر ويلزم إقامة الدعوى القضائية نفسها خلال عامين (بالمقارنة مع المهلة المعتادة المقدرة بسبع سنوات). والمواطنون غير الإسرائيليون من مواطني الدول أو المناطق المعادية ممنوعون من إقامة دعاوى قضائية لمطالبة إسرائيل بتعويضات عن مسؤوليتها التقصيرية، مما يحرم المدعين من قطاع غزة من حقهم في الوصول لسبل الانتصاف. تكاليف تقاضي مرتفعة—بما في ذلك الضمانات والرسوم—والتي تعد كذلك عائقًا أمام التقاضي مما يثني المدعين المحتملين عن رفع الدعاوى القضائية أو متابعة ما رفعوه منها بالفعل. بالإضافة لهذا، جعلت إسرائيل من الصعب جدًا على المدعين الفلسطينيين والشهود المؤيدين لدعاواهم الحصول على تصاريح دخول للإدلاء بشهاداتهم. وبالتالي، فمعظم الدعاوى القضائية التي يرفعها الفلسطينيون ضد إسرائيل للمطالبة بتعويضات بموجب المسؤولية التقصيرية إما يتم رفضها أو التوقف عن متابعتها بسبب نقص الموارد.

وعلى النقيض من ذلك، فقد وسَّعت إسرائيل مرة تلو أخرى نطاق المسؤولية التي تتحملها السلطة الفلسطينية عن طريق السماح برفع الدعاوى القضائية للمطالبة بتعويضات بموجب المسؤولية التقصيرية ضد السلطة الفلسطينية عن الأضرار والخسائر التي تلحق بالمواطنين اليهود أثناء أعمال العنف حتى حين تكون هذه الأعمال قد ارتكبتها منظمات فلسطينية أخرى وأفراد مستقلون.

القضايا في قاعدة البيانات يتم البت فيها عادة بعد سنوات من الحادث الذي أدى إلى تقديم الدعوى. لذلك، قاعدة البيانات لا تشمل حالياً القضايا المتعلقة بدعاوى الأضرار التي قُدّمت منذ 7 أكتوبر 2023.

تُظهر الملفات التي قمنا بمراجعتها أن السياسيين والقضاة والمحامين الحكوميين قد غيّروا مواقفهم تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بمرور الوقت. في البداية، كان يُنظر إلى التعويضات كوسيلة للحفاظ على حقوق الإنسان والعدالة. ومع ذلك، ومع تصاعد الصراع واستمراره، أصبحت المحاكم ساحة معركة، واستُخدمت التعويضات كأداة في الصراع. كما قام السياسيون بتقليص الرقابة القضائية من خلال تقييد حق الفلسطينيين (بشكل رئيسي) في الحصول على تعويضات، وتشجيع عدم تقديم الدعاوى من قبل الفلسطينيين، وإسكات القصص الهامة حول التكلفة الحقيقية وتأثير الصراع. وفي الوقت نفسه، تعززت قدرة المواطنين الإسرائيليين على المطالبة بتعويضات من السلطة الفلسطينية من خلال تسهيل القواعد الإجرائية، على اعتبار أن ذلك وسيلة لردع الأعمال العدائية تجاه إسرائيل.

فيما يتعلق بالصراع الحالي بين إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة (بما في ذلك حماس) في قطاع غزة، فإن دعاوى الأضرار المدنية من غزة غير مقبولة في المحاكم الإسرائيلية منذ تعديل القانون في عام 2012، بعد اعتبار غزة منطقة عدو. ومع ذلك، قدمت منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية التماسات للمحكمة العليا لفحص سياسات إسرائيل تجاه غزة، بما في ذلك القيود على المساعدات الإنسانية وعمليات الإجلاء الطبي.

© Dominika Zara/Shutterstock